كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


علم مما تقرر أن تصفيد الشياطين مجاز عن امتناع التسويل عليهم واستعصاء النفوس عن قبول وساوسهم وحسم أطماعهم عن الإغواء وذلك لأنه إذا دخل رمضان واشتغل الناس بالصوم وانكسرت فيهم القوة الحيوانية التي هي مبدأ الشهوة والغضب الداعيين إلى أنواع الفسوق وفنون المعاصي وصفت أذهانهم واشتغلت قرائحهم وصارت نفوسهم كالمرائي المتقابلة المتحاكية وتنبعث من قواهم العقلية داعية إلى الطاعات ناهية عن المعاصي فتجعلهم مجمعين على وظائف العبادات عاكفين عليها معرضين عن صنوف المعاصي عائقين عنها فتفتح لهم أبواب الجنان وتغلق دونهم أبواب النيران ولا يبقى للشيطان عليهم سلطان فإذا دنوا منهم للوسوسة يكاد يحرقهم نور الطاعة والإيمان‏.‏

- ‏(‏حم ق‏)‏ في الصوم ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قضية صنيع المؤلف أن كلاً من الكل روى الكل والأمر بخلافه فالبخاري لم يذكر الشهر ولا مسلم هنا لكنها وردت عند غيرهما‏.‏

593 - ‏(‏إذا دخلتم على المريض‏)‏ تعودونه ‏(‏فنفسوا له في الأجل‏)‏ بالتحريك أي وسعوا له وأطمعوه في طول الحياة ‏[‏ص 341‏]‏ وأذهبوا حزنه فيما يتعلق بأجله بأن تقولوا لا بأس طهور أو نحو ذلك فإن ذلك تنفيساً لما هو فيه من الكرب وطمأنينة لقلبه‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وقوله في أجله متعلق بنفسوا معنى التطميع أي طمعوه في طول أجله واللام للتأكيد، والتنفيس التفريج، قال الراغب‏:‏ والأجل المدة المضروبة للشيء ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان وأصله استيفاء الأجل إلى مدة الحياة ‏(‏فإن ذلك‏)‏ أي التنفيس ‏(‏لا يرد شيئاً‏)‏ من المقدور ‏(‏وهو يطيب بنفس‏)‏ الباء زائدة أو للتعدية وفاعله ضمير عائد إلى اسم إن وفي رواية بإسقاط الباء ‏(‏المريض‏)‏ يعني لا بأس بتنفيسك له فإن ذلك التنفيس لا أثر له إلا في تطييب نفسه‏.‏ قيل للرشيد وهو عليل هون عليك وطيب نفسك فإن الصحة لا تمنع الفناء والعلة لا تمنع من البقاء، فارتاح لذلك‏.‏ قال ابن القيم‏:‏ وهذا نوع شريف من أنواع العلاج فإن تطييب نفس العليل يقوي الطبيعة وينعش القوى ويبعث الحار الغريزي فيساعد على دفع العلة أو تخفيفها الذي هو غاية تأثير الطبيب، ولمسرة المريض تأثير مخصوص في تخفيف علته انتهى ولا يعارض ذلك ندب التنبيه على الوصية لأنه يقول مع ذلك الوصية لا تنقص الأجل بل العامل بالسنة يرجى له البركة في عمره وربما تكون الوصية بقصد امتثال أمر الشرع سبباً لزيادة العمر ونحو ذلك‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الطب ‏(‏ه‏)‏ في الجنائز من حديث موسى بن محمد التيمي عن أبيه عن ‏(‏أبي سعيد‏)‏ الخدري قال الترمذي في العلل سألت محمداً يعني البخاري عنه فقال موسى منكر الحديث انتهى وقال في الأذكار بعد عزوه لابن ماجه والترمذي إسناده ضعيف وقال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال في الفتح في سنده لين وفي الميزان حديث منكر‏.‏

594 - ‏(‏إذا دخلتم بيتاً‏)‏ أي مكاناً يعني إذا وصلتم إلى محل فيه مسلمون فالتعبير بالدخول وبالبيت غالبي وكذلك لفظ الجمع ‏(‏فسلموا على أهله‏)‏ أي سكانه بدلاً للأمان وإقامة لشعار أهل الإيمان وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يواظب على ذلك ‏(‏فإذا خرجتم منه‏)‏ أي أردتم الخروج ‏(‏فأودعوا أهله‏)‏ أي فارقوهم واتركوهم ‏(‏بسلام‏)‏ أي سلموا عليهم عند مفارقتكم إياهم فليست الأولى بأحق من الآخرة قال الطيبي‏:‏ قوله أودعوا من الإيداع أي اجعلوا السلام وديعة عندهم كي ترجعوا إليهم وتستردوا وديعتكم فإن الودائع تستعاد وتفاؤلاً للسلامة والمعاودة مدة بعد أخرى وأنشد‏:‏

ولا بد لي من جهلة في وصاله * فمن لي بخل أودع الحلم عنده

اللطف فيه أنه لم يفارق على مفارقة الحلم لأن الودائع تستعاد وتسمى الثانية سلام توديع ومتاركة يقال ودعته أودعه ودعا تركته وابتداء السلام على من لقيه أو فارقه من المسلمين ولو صبياً سنة ومن الجماعة سنة كفاية ولا يترك خوفاً من عدم الرد كما اقتضاه إطلاق الحديث وأفضل صيغه السلام عليكم أو سلام عليكم بالتنوين ولو على واحد‏.‏

- ‏(‏هب عن قتادة‏)‏ ابن دعامة السدوسي أي الخطاب البصري ‏(‏مرسلاً‏)‏ ثم قال مخرجه البيهقي هكذا جاء مرسلاً انتهى والبيهقي رواه عن أبي الحسين بن بشران عن إسماعيل الصفار عن أحمد بن منصور عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وابن بشران وثق والصفار قال في اللسان ثقة مشهور وأخطأ ابن حزم حيث جهله وابن منصور ثبت وعبد الرزاق من الأعلام فهو مرسل جيد الإسناد‏.‏

595 - ‏(‏إذا دخلت‏)‏ بفتح التاء ‏(‏على مريض‏)‏ مسلم معصوم لنحو عيادة ‏(‏فمره‏)‏ أي اسأله ‏(‏يدعو لك‏)‏ قال الطيبي‏:‏ مرة يدعو مفعول بإضمار أن أي مره بأن يدعو لك ويجوز جزمه جواباً للأمر على تأويل أن هذا الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابي يبلغه إلى المريض فهو كقوله ‏{‏قل للذين آمنوا يقيموا الصلاة‏}‏ ثم علل طلب الدعاء منه بقوله ‏(‏فإن دعاءه كدعاء الملائكة‏)‏ في كونه مفضلاً مسموعاً وكونه دعاء من لا ذنب عليه لأن المرض يمحص الذنوب ‏[‏ص 342‏]‏ والملائكة لا ذنوب لهم لعصمتهم، ومنه يؤخذ أن الكلام في مريض مسلم أما لو عاد نحو قريبه أو جاره الذمي فلا ينبغي طلب الدعاء منه فإن المرض لا يمحص ذنوب الكافر لفقد شرط ذلك وهو الإسلام‏.‏

قال بعض العارفين‏:‏ الله تعالى عند عبده إذا مرض، ألا تراه ماله استغاثة إلا به ولا ذكر إلا له فلا يزال الحق في لسانه منطوقاً به وفي قلبه إلتجأ إليه فالمريض لا يزال مع الله ولو تطيب وتناول الأسباب المعتادة لوجوده الشفاء عندها ومع ذلك فلا يغفل عن الله ويأتي في حديث إن عبدي فلاناً مرض فلم تعده أما لو عدته لوجدتني عنده، فوجوده عنده هو ذكر المريض ربه في علته بحال انكسار واضطرار فلذلك كان دعاءه كدعاء الملائكة‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ من حديث جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران ‏(‏عن عمر‏)‏ بن الخطاب وجعفر بن برقان أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن خزيمة لا يحتج به انتهى وميمون لم يدرك عمر فهو منقطع أيضاً وقال ابن حجر في الفتح عنده حسن لكن فيه انقطاع وتقدمه لذلك النووي في الأذكار فقال صحيح أو حسن لكن ميمون لم يدرك عمر وقال المنذري رواته ثقات لكن ميمون لم يسمع من عمر فزعم الدميري صحته وهم‏.‏

596 - ‏(‏إذا دخلت‏)‏ بفتح التاء خطاباً لمحجن الذي أقيمت الصلاة فصلى الناس ولم يصل معهم وقال صليت مع أهلي ‏(‏مسجداً‏)‏ يعني محل جماعة ‏(‏فصل مع الناس‏)‏ أي مع الجماعة ‏(‏وإن كنت قد صليت‏)‏ قبل ذلك تقرير لقوله كنت صليت أو تحسين للكلام كما في قوله ‏{‏ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم‏}‏ فإن قوله لغفور رحيم خبر قوله ‏{‏إن ربك للذين عملوا السوء‏}‏ وقوله ‏{‏إن ربك من بعدها‏}‏ تكرير، وزعم بعضهم أن فيه صحة الصلاة بدون جماعة لأنه لم يأمره بالإعادة ممنوع، لاحتمال قوله وإن كنت صليت أي في جماعة، ويدل له صليت مع أهلي والاحتمال يسقط الاستدلال، وفيه الأمر بالمعروف ولو في غير واجب والسؤال عن العذر قبل الإنكار وتعليم الجاهل وذكر العذر ‏(‏والأمر‏)‏ بالإعادة في جماعة حكمته الائتلاف وعدم المخالفة الموجبة لنفرة القلوب وندب إعادة الصلاة لمن صلى جماعة أو فرادى‏.‏

- ‏(‏ص عن محجن‏)‏ ابن أبي محجن ‏(‏الديلمي‏)‏ بكسر أوله وسكون المهملة وفتح الجيم المدني صحابي قليل الحديث قال الذهبي فيه بشر بن محجن ولا يكاد يعرف انتهى وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه إلا أن يكون اعتضد‏.‏

597 - ‏(‏إذا دعا أحدكم‏)‏ ربه ‏(‏فليعزم‏)‏ بلام الأمر ‏(‏المسألة‏)‏ لفظ رواية مسلم وليعزم في الدعاء أي فليطلب طلباً جازماً من غير شك ويجتهد في عقد قلبه على الجزم بوقوع مطلوبه إحساناً للظن بكرم ربه تعالى ثم بين العزم بقوله ‏(‏ولا‏)‏ يعلق ذلك بنحو مشيئته ‏(‏فلا يقل اللهم إن شئت فأعطني‏)‏ بهمزة قطع أي لا يشترط المشيئة بعطائه لأن من اليقينيات أنه لا يعطي إلا إن شاء فلا معنى لذكر المشيئة بل فيه صورة استغناء عن المطلوب والإخلاص في العبودية يقتضي الجزم بالطلب فيطلب طلب مفتقر مضطر من قادر مختار وفي رواية بدل فأعطني اغفر لي وفي أخرى ارحمني وفي أخرى ارزقني وفي رواية تقديم المشيئة كما هنا وفي رواية تأخيرها قال ابن حجر‏:‏ وهذه كلها أمثلة تتناول جميع ما يدعى به قال الزمخشري‏:‏ والعزم التصميم والمضي على فعل شيء أو تركه بعقد القلب عليه وأن يتصلب فيه ‏(‏فإن الله‏)‏ يعطي ما يشاء لمن يشاء ومن هو كذلك ‏(‏لا مستكره‏)‏ بكسر الراء وفي رواية لا مكره ‏(‏له‏)‏ أي يستحيل أن يكرهه أحد على شيء لأن الأسباب إنما تكون بمشيئته فما شاء كان ما لم يشأ لم يكن وهو إذا أراد إسعاد عبد من عبيده ألهمه الدعاء وليس في الوجود من يكرهه على خلاف مراده فالتعليق بالمشيئة وغيرها من قبيل العبث الذي ينزه جناب المدعو المقدس عنه فيكره ذلك تنزيهاً، ومن قال لا يجوز كابن عبد البر أراد نفي الحمل المستوي الطرفين كما أشار إليه النووي ‏[‏ص 343‏]‏ فإطلاق التحريم بدون هذه الإرادة سقيم وفيه ندب إلى رجاء الإجابة‏.‏ قال ابن عيينة‏:‏ لا يمنعن أحدكم الدعاء ما يجد في نفسه من التقصير فإنه تعالى أجاب دعاء شر خلقه إبليس حين قال ‏{‏أنظرني‏.‏‏.‏ إلخ‏}‏ وفيه أن الرب لا يفعل إلا ما يشاء لا يكرهه أحد على ما يختاره كما قد يكره الشافع المشفوع له عنده وكما يكره السائل المسؤول إذا ألح عليه فالرغبة يجب أن تكون إليه كما قال ‏{‏وإلى ربك فارغب‏}‏ والرهبة تكون منه كما قال ‏{‏وإياي فارهبون‏}‏‏.‏

- ‏(‏حم ق‏)‏ في الدعوات ‏(‏عن أنس‏)‏ قال المناوي رواه الجماعة كلهم إلا النسائي‏.‏

598 - ‏(‏إذا دعا أحدكم‏)‏ لنفسه أو لغيره فليؤمن ندباً على دعاء نفسه فإنه إذا أمّن أمّنت الملائكة معه فاستجيب الدعاء وفيه خبر أنه سمع رجلاً يدعو فقال أوجب إن ختم بآمين فختم الدعاء به يمنعه من الرد والخيبة كما مر وكما يندب أن يؤمن عقب دعائه يندب أن يؤمن على دعاء غيره إن كان الداعي مسلماً لحديث الحاكم ‏"‏لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم ويؤمّن بعضهم إلا أجابهم الله‏"‏ أما الكافر فلا يجوز التأمين على دعائه على ما جرى عليه فخر الإسلام الروياني لكن الأرجح عند الشافعية جوازه إن دعا بجائز شرعاً‏.‏

- ‏(‏عد عن أبي هريرة‏)‏ وهو مما بيض له الديلمي بإسناد ضعيف لكن يقويه رواية الديلمي له بلفظ‏:‏ إذا أحرم أحدكم فليؤمن على دعائه إذا قال اللهم اغفر لنا فليقل آمين ولا يلعن بهيمة ولا إنساناً فإن دعاءه مستجاب، وبيض لسنده‏.‏

599 - ‏(‏إذا دعا الغائب لغائب‏)‏ ظاهره يشمل الغائب عن البلد وهو المسافر، وعن المجلس، فمن قصره على الأول فقد قصر، وفي رواية‏:‏ إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب ‏(‏قال له الملك‏)‏ الموكل بنحو ذلك كما يرشد إليه تعريفه وبه جاء التصريح في أخبار، وفي رواية‏:‏ قالت الملائكة ‏(‏ولك مثل ذلك‏)‏ وفي رواية‏:‏ ولك بمثل‏:‏ بالتنوين بدون ذلك‏:‏ أي أدعو الله أن يجعل لك بمثل ما دعوت به لأخيك، وذلك يكاد يكون فيما بين أهل الكشف متعارفاً بل محسوساً، ولهذا كان بعضهم إذا أراد الدعاء لنفسه بشيء دعا به أولاً لبعض إخوانه ثم يعقبه بالدعاء لنفسه، وشمل الغائب ما إذا كان كافراً ودعا له بالهداية ونحوها‏.‏

- ‏(‏عد عن أبي هريرة‏)‏ ورواه مسلم وأبو داود عن أم الدرداء الصغرى وهي تابعية فهو عندها مرسل‏.‏

600 - ‏(‏إذا دعا الرجل زوجته‏)‏ أو أمته ‏(‏لحاجته‏)‏ كناية عن الجماع ‏(‏فلتأته‏)‏ أي فلتمكنه من نفسها وجوباً فوراً حيث لا عذر ‏(‏وإن كانت على‏)‏ إيقاد ‏(‏التنور‏)‏ الذي يخبز فيه لتعجيل قضاء ما عرض له فيرتفع شغل باله ويتمخض تعلق قلبه، فالمراد بذكر التنور حثها على تمكينه وإن كانت مشغولة بما لا بد منه كيف كان، وهذا حيث لم يترتب على تقديم حظه منها إضاعة مال أو اختلاف حال كما مر‏.‏ قال الراغب‏:‏ والدعاء كالنداء، لكن النداء قد يقال إذا قال يا أو أيا ونحوه من غير أن ينضم له الاسم، والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم كيا فلان، وقد يستعمل كل محل الآخر‏:‏ قيل فيه، إن الأحب أن يبيت الرجل مع زوجته في فراش واحد وفي أخذه من ذلك بعد لا يكاد يصح‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في النكاح ‏(‏ن‏)‏ في حسن عشرة النساء ‏(‏عن مطلق‏)‏ بفتح فسكون ‏(‏ابن علي‏)‏ بن مدرك الحنفي السحيمي بمهملتين مصغر اليماني صحابي له وفادة، قال الترمذي حسن غريب ولم يبين لم لا يصح‏؟‏ والمؤلف رمز لصحته فليحرر‏.‏

601 - ‏(‏إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه‏)‏ ليجامعها فهو كناية عنه بذلك ‏(‏فليجب‏)‏ وجوباً فوراً أي حيث لا عذر ‏(‏وإن ‏[‏ص 344‏]‏ كانت على ظهر قتب‏)‏ قال أبو عبيدة‏:‏ كنا نرى أن معناه وهي تسير على ظهر بعير فجاء التفسير في حديث‏:‏ إن المرأة كانت إذا حضر نفاسها أقعدت على قتب فيكون أسهل لولادتها نقله الزمخشري وأقره، والقصد الحث على طاعة الزوج حتى في هذه الحالة، فكيف غيرها‏؟‏ والفراش بالكسر فعال بمعنى مفعول ككتاب بمعنى مكتوب وجمعه فرش وهو فراش أيضاً تسمية بالمصدر‏.‏

- ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏عن زيد بن أرقم‏)‏ وصححه بعضهم فتبعه المؤلف ورمز لصحته‏.‏

602 - ‏(‏إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه‏)‏ ليطأها ‏(‏فأبت‏)‏ امتنعت بلا عذر وليس حقيقة الإباء هنا بمرادة إذ هو أشد الامتناع والشدة غير شرط كما تفيده أخبار أخر ‏(‏فبات‏)‏ أي فبسبب ذلك بات وهو ‏(‏غضبان عليها‏)‏ فقد ارتكبت جرماً فظيعاً ومن ثم ‏(‏لعنتها الملائكة حتى تصبح‏)‏ يعني ترجع كما في رواية أخرى قال ابن أبي حمزة‏:‏ وظاهره اختصاص اللعن بما إذا وقع ذلك ليلاً، وسره تأكيد ذلك الشأن ليلاً، وقوة الباعث إليه فيه، ولا يلزم منه حل امتناعها نهاراً وإنما خص الليل لكونه المظنة، وفيه إرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب رضاه وأن يصبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة، وأن أقوى المشوشات على الرجل داعية النكاح، ولذلك حث المرأة على مساعدته على كسر شهوته ليفرغ فكره للعبادة أهـ‏.‏ قال العراقي‏:‏ وفيه أن إغضاب المرأة لزوجها حتى يبيت ساخطاً عليها من الكبائر وهذا إذا غضب بحق‏.‏

- ‏(‏حم ق د عن أبي هريرة‏)‏ وروى عنه النسائي وفي رواية لمسلم، إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها‏.‏

603 - ‏(‏إذا دعا العبد‏)‏ أي المسلم إذ هو الذي يكتب له حسنة ‏(‏بدعوة‏)‏ الباء للتأكيد ‏(‏فلم يستجب له‏)‏ أي لم يعط عين مطلوبه وإلا فالإجابة واقعة بوعده تعالى بقوله‏{‏ادعوني أستجب لكم‏}‏ لكنها تارة تكون في الدنيا وتارة في الآخرة وتارة يحصل التعويض بأنفع كما يأتي في حديث فإذا اقتضت مصلحة عدم إجابته في عين المسؤول ‏(‏كتبت له حسنة‏)‏ أي أمر الله كاتب اليمين أن يكتب له بها بحسنة عظيمة مضاعفة كما يفيده التنكير فالمكتوب عشر حسنات لقوله في الحديث الآتي‏:‏ إذا همّ العبد بحسنة كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشراً وذلك لرضاه بمراده تعالى فيه وذلك لأن الدعاء عبادة بل هو مخها كما يأتي في خبر وقد قال تعالى ‏{‏إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً‏}‏‏.‏

قال في الحكم‏:‏ لا يكن تأخر أمد العطاء مع الالحاح في الدعاء موجباً ليأسك فهو ضمن لك الإجابة فيما يختار لك لا فيما تختار لنفسك وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد ولا يشكك في الوعد عدم وقوع الموعود وإن تعين زمنه لئلا يكون ذلك قدحاً في بصيرتك وإخماد لنور سريرتك أهـ‏.‏ ويكفي العبد عوضاً من إجابته ما أقيم فيه من المناجاة وإظهار الافتقار والانكسار، وقد يمنع العبد الإجابة لرفعة مقامه عند الله وقد يجاب كراهة لسماع صوته كما جاء في الحديث‏.‏ فليحذر الداعي أن يكون حال دعائه ممن قضيت حاجته لكراهة الله له لا لمحبته‏.‏

- ‏(‏خط‏)‏ في ترجمة عمرو بن أيوب العابد ‏(‏عن هلال بن يساف‏)‏ بفتح التحتية وبمهملة خفيفة الأشجعي مولاهم الكوفي ‏(‏مرسلاً‏)‏ أرسل عن عائشة وغيرها قال في الكشاف ثقة‏.‏

604 - ‏(‏إذا دعوت الله‏)‏ أي سألته في جلب نفع ‏(‏فادع الله ببطن كفيك‏)‏ الباء للآلة أو للمصاحبة‏:‏ أي اجعل بطنهما إلى وجهك وظهرهما إلى الأرض حال الدعاء لأن عادة من طلب من غيره شيئاً أن يمدّ كفيه إليه متواضعاً متذللاً ليضع المسؤول فيها ‏(‏ولا تدع‏)‏ نهي تنزيه ‏(‏بظهورهما‏)‏ لأنه إشارة إلى الدفع فإن دعا بدفع بلاء أو قحط أو غلاء جعل ظهرهما ‏[‏ص 345‏]‏ إلى السماء كما في أخبار آخر إشارة إلى طلب دفعه وهو أحد ما فسر به قوله تعالى ‏{‏يدعوننا رغباً ورهباً‏}‏ ‏(‏فإذا فرغت‏)‏ من دعائك ‏(‏فامسح بهما‏)‏ ندباً وجهك لتعود البركة عليه ويسري إلى الباطن، وحكمته كما ورد في حديث‏:‏ الإفاضة عليه مما أعطاه الله تعالى تفاؤلاً بتحقق الإجابة وأن كفيه قد ملئتا خيراً فأفاض منه عليه، ففعل ذلك سنة كما جرى عليه في التحقيق وغيره تمسكاً بعدة أخبار هذا منها، وهي وإن ضعفت أسانيدها تقوت بالإجماع، فقوله في المجموع لا يندب وسبقه إليه ابن عبد السلام وقال لا يفعله إلا جاهل‏:‏ في حيز المنع‏.‏

- ‏(‏ه عن ابن عباس‏)‏ رمز لحسنه وليس كما قال فقد قال ابن الجوزي لا يصح، فيه صالح بن حسان متروك، وقال ابن حبان يروي الموضوعات لكن له شاهد‏.‏

605 - ‏(‏إذا دعوتم لأحد من اليهود‏)‏ علم على قوم موسى سموا به من هادوا أي مالوا إما من عبادة العجل أو من دين إبراهيم أو موسى، أو من هاد أي رجع من خير إلى شر أو عكسه أو لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة ‏(‏والنصارى‏)‏ جمع علم على قوم عيسى سموا به لأنهم نصروه أو كانوا معه في قرية تسمى نصران أو ناصرة‏:‏ أي إذا أردتم الدعاء لأحد من أهل الذمة منهم ‏(‏فقولوا‏)‏ أي ادعوا بما نصه ‏(‏أكثر الله مالك‏)‏ لأن المال قد ينفع لجزيته أو موته بلا وارث أو بنقضه العهد ولحوقه بدار الحرب أو بغير ذلك ‏(‏وولدك‏)‏ بضم فسكون، أو بالتحريك، فإنهم ربما أسلموا أو نأخذ جزيتهم، وإن ماتوا قبل البلوغ فهم خدمنا في الجنة أو بعده كفاراً فهم فداؤنا من النار، فاستشكال الدعاء به لهم بأن فيه الدعاء بدوام الكفر وهو لا يجوز‏:‏ جمود‏.‏ ويجوز الدعاء للكافر أيضاً بنحو هداية وصحة وعافية لا بالمغفرة ‏{‏إن الله لا يغفر أن يشرك به‏}‏ وقوله‏:‏ مالك وولدك جرى على الغالب من حصول الخطاب به، فلو دعا لغائب قال ماله وولده، وخرج باليهود والنصارى الذميين أهل الحرب فلا يجوز الدعاء لهم بتكثير المال والولد والصحة والعافية، لأنهم يستعينون بذلك على قتالنا ‏(‏فإن قلت‏)‏ مالهم وأولادهم قد ينتفع بها بأن نغنمهم ونسترق أطفالهم ‏(‏قلت‏)‏ هذا مظنون وكثرة مالهم وعددهم مفسدة محققة، ودرء المفسدة المحققة أولى من جلب المصلحة المتوهمة، نعم يجوز بالهداية‏.‏

- ‏(‏عد وابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه عبد الله بن جعفر بن نجيح متفق على ضعفه كما في الميزان وغيره وعد من مناكيره هذا الخبر‏.‏

606 - ‏(‏إذا دعي‏)‏ بالبناء للمجهول ‏(‏أحدكم إلى وليمة العرس فليجب‏)‏ وجوباً إن توفرت الشروط، وهي عند الشافعة نحو عشرين فإن فقد بعضها سقط الوجوب ثم قد يخلفه الندب وقد لا، بل يحرم كما لو كان ثم منكر وعجز عن إزالته ‏[‏فإن قيل‏]‏ الوليمة حيث أطلقت اختصت بوليمة العرس فإن أريد غيرها قيدت فما فائدة تقييدها بكونها للعرس ‏[‏قلنا‏]‏ هذا هو الأشهر لغة لكن منهم من جعلها شاملة للكل فلم يكتف في الحديث بإطلاقها دفعاً لتوهم إرادته وأطلقت في خبر آخر جرياً على الأكثر الأشهر ‏(‏م ه عن ابن عمر‏)‏‏.‏

607 - ‏(‏إذا دعي أحدكم إلى طعام‏)‏ كثر أو قل كما يفيده التنكير وصرح به في الخبر الآتي بقوله‏:‏ إذا دعيتم إلى كراع فأجيبوا ‏(‏فليجب‏)‏ أي إلى الإتيان إليه وجوباً إن كان طعام عرس وندباً إن كان غيره، وهذا في غير القاضي، أما هو فلا يجب عليه في محل ولايته بل إن كان للداعي خصومة أو غلب على ظنه أن سيخاصم حرمت، قال في الإحياء‏:‏ وينبغي أن ‏[‏ص 346‏]‏ يقصد بالإجابة الاقتداء بالسنة حتى يثاب وزيارة أخيه وإكرامه حتى يكونا من المتحابين والمتزاورين في الله تعالى ‏(‏فإن كان مفطراً فليأكل‏)‏ ندباً، وتحصل السنة بلقمة ‏(‏وإن كان صائماً‏)‏ فرضاً ‏(‏فليصل‏)‏ أي فليدع لأهل الطعام بالبركة، كذا فسره بعض رواته وجاء هكذا مبيناً في رواية تأتي، ونقله في الرياض عن العلماء فقال‏:‏ قال العلماء ولم يذكر غيره لكن قال جمع الأولى إبقاؤه على ظاهره الشرعي تشريفاً للمكان وأهله وأيده آخرون بأن في حديث أنس ما يصرح بأن المراد الصلاة الشرعية وغالب مخاطبات الشريعة إنما تحمل على عرفه الخاص لا المقاصد اللغوية والأولى ما ذهب إليه في المطامح من ندب الجمع بينهما عملاً بمقتضى الروايات كلها ونقل عن جمع من السلف‏.‏

- ‏(‏حم م د ت عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عنه أيضاً النسائي وابن ماجه‏.‏

608 - ‏(‏إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو‏)‏ أي والحال أنه ‏(‏صائم فليقل إني صائم‏)‏ اعتذاراً للداعي فإن سمح ولم يطالبه بالحضور فله التخلف وإلا حضر وليس الصوم عذراً في التخلف‏.‏ وإنما أمر المدعو حيث لا يجيب الداعي أن يعتذر له بقوله إني صائم، وإن ندب إخفاء النفل لئلا يجر إلى عداوة أو تباغض بينه وبين الداعي‏.‏

- ‏(‏م د ت ه عن أبي هريرة‏)‏ قال الترمذي حسن صحيح‏.‏

609 - ‏(‏إذا دعي أحدكم‏)‏ إلى وليمة عرس ‏(‏فليجب‏)‏ إلى حضورها إن توفرت شروط الإجابة ‏(‏وإن كان صائماً‏)‏ فإن الصوم غير عذر ولو فرضاً، فإن كان نفلاً سن للمدعو الفطر إن شق على الداعي صومه عند أكثر الشافعية وبعض الحنابلة بناء على حل الخروج منه وينبغي أن لا يقصد بالإجابة قضاء شهوة فتكون من عمل الدنيا بل يحسن القصد ليثاب كما مر فينوي الإقتداء وإكرام الداعي وإدخال السرور عليه وزيادة التحابب وصون نفسه عن ظن امتناعه تكبراً أو سوء ظن أو احتقار للداعي ونحو ذلك‏.‏

- ‏(‏ابن منيع‏)‏ في معجمه ‏(‏عن أبي أيوب الأنصاري‏)‏ رمز لصحته‏.‏

610 - ‏(‏إذا دعي أحدكم إلى طعام‏)‏ أي مباح ‏(‏فليجب‏)‏ وجوباً إن كان وليمة عرس وإلا فندباً ‏(‏فإن كان مفطراً فليأكل‏)‏ ندباً كما في الروضة لا وجوباً خلافاً لما وقع في شرح مسلم ‏(‏وإن كان صائماً فليدع بالبركة‏)‏ لأهل الطعام ومن حضر، قال في المطامح‏:‏ وفيه دليل على أن الإجابة تجب بكل حال وأنه لا بأس بإظهار العبادة عند دعاء الحاجة وإرشاد إلى تألف القلوب بالأعذار الصادقة وندب الدعاء للمسلم سيما إذا فعل معروفاً‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن مسعود‏)‏ قال الهيتمي رجاله ثقات ومن ثم رمز لصحته‏.‏

611 - ‏(‏إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب‏)‏ أي إلى الإتيان إلى ذلك المكان عند الإمكان ‏(‏فإن شاء طعم‏)‏ كتعب‏:‏ أي أكل وشرب ‏(‏وإن شاء لم يطعم‏)‏ لفظ رواية مسلم‏:‏ وإن شاء ترك، وفيه جواز الأكل وتركه، وردّ لما وقع للنووي في شرح مسلم من اختياره وجوبه الذي عليه أهل الظاهر، والطعم بالفتح يقع على كل ما يساغ حتى الماء وذوق الشيء، والطعم بالضم الطعام‏.‏

- ‏(‏م د عن جابر‏)‏ ورواه عنه أيضاً ابن ماجه وابن حبان‏.‏

‏[‏ص 347‏]‏ 612 - ‏(‏إذا دعي أحدكم‏)‏ زاد في رواية أبي داود ‏(‏إلى الطعام فجاء مع الرسول‏)‏ أي رسول الداعي يعني نائبه ولو صبياً ‏(‏فإن ذلك له إذن‏)‏ أي قائم مقام إذنه اكتفاء بقرينة الطلب فلا يحتاج لتجديد إذن أي إن لم يطل عهد بين المجيء والطلب أو كان المستدعي بمحل لا يحتاج فيه إلى الإذن عادة وإلا وجب استئناف الاستئذان، وعليه نزلوا الأخبار التي ظاهرها التعارض وتختلف بإختلاف الأحوال والأشخاص‏.‏ ولهذا قال البيهقي‏:‏ هذا إذا لم يكن في الدار حرمة ولا امرأة وإلا وجب الاستئذان مطلقاً، والدعاء النداء، ودعاه سأله، ويستعمل استعمال التسمية نحو دعوت ابني زيداً أي سميته والمراد هنا الأول‏.‏

- ‏(‏خد د هب‏)‏ وكذا البخاري في الصحيح لكن معلقاً ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ رمز لحسنه وبالغ بعضهم فقال صحيح ولعله لم ير قول ابن القيم فيه مقال ولا قول اللؤلؤي عن أبي داود فيه انقطاع‏.‏

613 - ‏(‏إذا دعيتم إلى كراع‏)‏ بالضم والتخفيف أي كراع شاة وهو يدها على ما قاله الجمهور أو كراع الغميم بمعجمة محل بين الحرمين أو جانب مستطيل من الحرم على ما قاله شرذمة وغلطهم الأولون ‏(‏فأجيبوا‏)‏ ندباً فالمعنى على الأول إذا دعيتم إلى طعام ولو قليلاً كيد شاة فأجيبوا وعلى الثاني إذا دعيتم إلى محل ولو بعيداً كالموضع المذكور فأجيبوا، وليست القلة أو البعد عذراً فأطلق ذلك على طريق المبالغة في الإجابة وإن بعد لكن المبالغة في الإجابة مع حقارة الشيء أوضح في المراد ولهذا ذهب الجمهور إلى الأول وفيه الحث على الإجابة ولو قل المدعو إليه أو بعد والحض على المواصلة والتحابب لكن إذا دعي إلى وليمة في مكان بعيد يشق عليه الذهاب مشقة تسقط الجمعة والجماعة لم يجب‏.‏

- ‏(‏م عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ورواه عنه أيضاً ابن حبان‏.‏

614 - ‏(‏إذا ذبح أحدكم‏)‏ حيواناً ‏(‏فليجهز‏)‏ أي يسرع بقطع جميع الحلقوم والمريء بسرعة ليكون أوجى وأسهل، فنبه على أنه يندب للذابح إسراع القطع بقوة وتحلل ذهاباً وإياباً وأن يتحرى أسهل الطرق وأخفها إيلاماً وأسرعها إزهاقاً ويرفق بالبهيمة ما أمكنه فلا يصرعها ولا يجرها للمذبح بعنف، ويحدّ السكين، ويحرم الذبح بكالة لا تقطع إلا بشدة تحامل الذابح، واعلم أن الحديث وإن ورد على سبب خاص في البهائم لكن العبرة بعموم اللفظ فإذا ذبح إنسان إنساناً كالبهيمة روعيت المماثلة فيذبح مثله ويؤمر الذابح بإجهاز ذبحه وعلى الإمام أن لا يقتص من إنسان إلا بسيف حادّ ويحرم بكالّ‏.‏ نعم إن قتل رجل رجلاً بسيف كالّ قتل بمثله‏.‏

- ‏(‏ه عد هب عن ابن عمر‏)‏ قال‏:‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحد الشفار وإن توارى عن البهائم ثم قال إذا ذبح إلخ وفيه ابن لهيعة وقرة المغافري قال أحمد منكر الحديث جداً، وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه‏.‏

615 - ‏(‏إذا ذكر أصحابي‏)‏ بما شجر بينهم من الحروب والمنازعات ‏(‏فأمسكوا‏)‏ وجوباً عن الطعن فيهم والخوض في ذكرهم بما لا يليق فإنهم خير الأمة والقرون لما جرى بينهم محامل ‏(‏وإذا ذكرت النجوم‏)‏ أي أحكامها ودلالتها وتأثيراتها ‏(‏فأمسكوا‏)‏ عن الخوض فيها لما مرّ ‏(‏وإذا ذكر القدر‏)‏ بالفتح وبالسكون ما يقدره الله تعالى من القضاء، وبالفتح اسم لما صدر مقدوراً عن فعل القادر كالهدم لما صدر من فعل الهادم، ذكره الطيبي‏.‏ قال القاضي‏:‏ بالتحريك تعلق الأشياء بالادارة في أوقاتها الخاصة ‏(‏فأمسكوا‏)‏ عن محاورة أهله ومقاولتهم لما في الخوض في الثلاثة من المفاسد التي لا تحصى كما مر، قال البغوي‏:‏ القدر سر الله لم يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً لا يجوز الخوض فيه والبحث عنه من طريق ‏[‏ص 348‏]‏ العقل بل يعتقد أنه تعالى خلق الخلق فجعلهم فريقين‏:‏ أهل يمين خلقهم للنعيم فضلاً، وأهل شمال خلقهم للجحيم عدلاً‏.‏ قال تعالى ‏{‏ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس‏}‏ وسأل علياً كرم الله وجهه رجل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر‏.‏ قال‏:‏ طريق مظلم لا تسلكه، فأعاد السؤال، فقال‏:‏ بحر عميق لا تلجه، فأعاد، فقال‏:‏ سر الله قد خفي عليك فلا تفشه‏.‏ فأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالإمساك عن الخوض فيه لأن من يبحث فيه لا يأمن أن يصير قدرياً أو جبرياً ولذلك شدّد فيه غاية التشديد فقال في حديث الترمذي‏:‏ عزمت - أي أقسمت - عليكم أن لا تتنازعوا فيه، إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر‏.‏ فأشار إلى أن من تكلم من الأمم الماضية فيه عجل الله إهلاكهم‏.‏